سورة الصافات - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{وناديناه أَن ياإبراهيم} {قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} بالعزم على الإتيانِ بالمأمور به وترتيبِ مقدماتهِ. وقد رُوي أنَّه أمرَّ السِّكِّينَ بقوَّتهِ على حلقهِ مراراً فلم يقطعْ ثم وضع السِّكِّينَ على قفاه فانقلبَ السِّكِّينُ فعند ذلك وقع النِّداءُ. وجوابُ لمَّا محذوفٌ إيذاناً بعدم وفاء التَّعبيرِ بتفاصيله كأنَّه قيل كانَ ما كانَ مما لا يحيطُ به نطاق البيانِ من استبشارهما وشكرِهما لله تعالى على ما أنعمَ به عليهما من دفعِ البلاء بعد حلولهِ والتَّوفيقِ لما لم يُوفَّقْ أحدٌ لمثله، وإظهارِ فضلهما بذلك على العالمين مع إحراز الثَّوابِ العظيمِ إلى غيرِ ذلك {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تعليلٌ لتفريجِ تلك الكُربةِ عنهما بإحسانهما واحتجَّ به من جوَّز النَّسخَ قبل وقوع المأمور به فإنَّه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ كان مأموراً بالذَّبحِ لقوله تعالى: {افعل مَا تُؤمَرُ} ولم يحصلْ {إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} الذي يتميَّز فيه المخلِصُ عن غيره أو المحنةُ البيِّنةُ الصُّعوبةِ إذ لا شيءَ أصعبُ منها. {وفديناه بِذِبْحٍ} بِما يُذبح بدله فيتمُّ به الفعل {عظِيمٌ} أي عظيمِ الجثَّة سمينٍ أو عظيم القدر لأنَّه يَفدي به اللَّهُ نبيًّا ابنِ نبيَ من نسله سيِّدُ المُرسلينَ. قيل كان ذلك كبشاً من الجنَّةِ. عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّه الكبشُ الذي قرَّبه هابيلُ فتُقبِّل منه وكان يَرْعى في الجنَّةِ حتَّى فُدي به إسماعيلُ عليه السَّلامُ. وقيل فُدي بوعلٍ أُهبط عليه من ثَبير. ورُوي أنه هربَ من إبراهيمَ عليه السَّلامُ عند الجمرةِ فرماه بسبع حصياتٍ حتَّى أخذه فبقي سنَّةً في الرَّميِ. ورُوي أنَّه رَمَى الشَّيطان حين تعرَّض له بالوسوسةِ عند ذبحِ ولده. ورُوي أنَّه لمَّا ذبحه قال جبريلُ عليه السَّلامُ: اللَّهُ أكبرُ اللَّهُ أكبرُ فقال الذَّبيحُ: لا إله إلاَّ اللَّهُ واللَّهُ أكبرُ فقالَ إبراهيمُ: اللَّهُ أكبرُ ولِلَّهِ الحمدُ فبقي سُنَّةً. والفادي في الحقيقة هو إبراهيمُ وإنَّما قيل وفدينَاهُ لأنَّه تعالى هو المُعطي له والآمرُ به على التَّجوزِ في الفداءِ أو الإسنادِ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الاخرين سلام على إبراهيم} قد سلف بيانُه في خاتمةِ قصَّة نوحٍ عليه السَّلامُ.


{كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} ذلك إشارةٌ إلى إبقاءِ ذكره الجميل فيما بين الأممِ لا إلى ما أُشير إليه فيما سبق فلا تكرارَ. وعدم تصديرِ الجملةِ بإنا للاكتفاءِ بما مرَّ آنِفاً {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} الراسخين في الإيمان على وجهة الإيقان والاطمئنان.
{وبشرناه بإسحاق نَبِيّاً مّنَ الصالحين} أي مقضيًّا بنبُّوتهِ مقدَّراً كونه من الصَّالحينَ وبهذا الاعتبار وقَعا حالينِ ولا حاجةَ إلى وجود المبشَّر به وقت البشارةِ فإنَّ وجود ذي الحالِ ليس بشرطٍ وإنَّما الشَّرطُ مقارنةُ تعلُّق الفعل به لاعتبارِ معنى الحالِ فلا حاجة إلى تقدير مضافٍ يجعل عاملاً فيهما مثل وبشَّرناهُ بوجودِ إسحاقَ بأنْ يُوجدَ إسحاقَ نبيًّا من الصَّالحين، ومع ذلكَ لا يصيرُ نظيرَ قوله تعالى: {فادخلوها خالدين} فإنَّ الدَّاخلين كانوا مقدِّرين خلودهم وقت الدُّخولِ وإسحاقُ عليه السَّلامُ لم يكن مقدِّراً نبُّوة نفسه وصلاحَها حين ما يُوجد، ومن فسَّر الغلامَ بإسحاقَ جعل المقصودَ من البشارةِ نبوُّته عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ وفي ذكر الصَّلاحِ بعد تعظيمٍ لشأنهِ وإيماءً إلى أنَّه الغايةُ لها لتضمُّنِها معنى الكمالِ والتَّكميلِ بالفعلِ على الإطلاقِ.
{وباركنا عَلَيْهِ} على إبراهيمَ في أولادِه {وعلى إسحاق} بأنْ أخرجنا من صلبهِ أنبياءَ بني إسرائيلَ وغيرَهم كأيُّوبَ وشُعيبَ عليهم السَّلامُ أو أفضْنا عليهما بركاتِ الدِّينِ والدُّنيا. وقرئ: {وبرَّكنا}. {وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} في عملهِ أو لنفسِه بالإيمانِ والطَّاعةِ {وظالم لّنَفْسِهِ} بالكفر والمَعَاصي {مُّبِينٌ} ظاهرٌ ظلمُه وفيه تنبيهٌ على أنَّ النَّسبَ لا تأثيرَ له في الهدايةِ والضَّلالِ وأنَّ الظُّلمَ في أعقابهما لا يعودُ عليهما بنقيصةٍ ولا عيبٍ {وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وهارون} أي أنعمنا عليهما بالنبوَّة وغيرِها من النِّعم الدِّينيةِ والدُّنيويةِ {ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا} وهم بنُو إسرائيلَ {مِنَ الكرب العظيم} هو مَلَكةُ آل فرعونَ وتسلطهم عليهم بألوان الغَشَمِ والعذاب كما في قوله تعالى: {وَإِذْ أنجيناكم مّنْ ءالِ فِرْعَونَ} وقيل هو الغَرَقُ وهو بعيد لأنَّه لم يكن عليهم كَرباً ومشقةً.
{ونصرناهم} أي إيَّاهما وقومَهما على عدوِّهم {فَكَانُواْ} بسبب ذلك {هُمُ الغالبين} عليهم غلبةً لا غايةَ وراءها بعد أنْ كان قومُهما في أسرِهم وقَسْرِهم مقهورين تحت أيديهم العادية يسومُونهم سوء العذاب. وهذه التَّنجيةُ وإن كانتْ بحسب الوجودِ مقارنةً لما ذُكر من النَّصرِ والغَلَبة لكنَّها لما كانتْ بحسب المفهومِ عبارة عن التَّخليصِ من المكروهِ بُدىء بها ثمَّ بالنَّصر الذي يتحقَّقُ مدلُوله بمحضِ تنجيةِ المنصورِ من عدوِّه من غير تغليبهِ عليه ثم بالغلبةِ لتوفيةِ مقام الامتنانِ حقَّه بإظهار أنَّ كلَّ مرتبةٍ من هذه المراتبِ الثَّلاثِ نعمةٌ جليلةٌ على حيالها.


{وءاتيناهما} بعد ذلك {الكتاب المستبين} أي البليغَ في البيان والتَّفصيلِ وهو التَّوراةُ {وهديناهما} بذلك {الصراط المستقيم} الموصِّلَ إلى الحقِّ والصَّوابِ بما فيه من تفاصيلِ الشَّرائعِ وتفاريعِ الأحكامِ {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى الاخرين سلام على موسى وهارون} أي أبقينا فيما بين الأممِ الآخرين هذا الذِّكرَ الجميلَ والثَّناءَ الجزيلَ {إِنَّا كَذَلِكَ} الجزاءِ الكاملِ {نَجْزِى المحسنين} الذين هُما من جُملتهم لا جزاء قاصراً عنه {إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} سبق بيانُه.
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين} هو إلياسُ بنُ ياسينَ من سبطِ هارون أخي مُوسى عليهم السلام بُعث بعده وقيل إدريسُ لأنَّه قرئ مكانه: {إدريسَ} و{إدراسَ} وقرئ {إيليسَ} وقرئ: {إلياسَ} بحذفِ الهمزة {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} أي عذابَ الله تعالى. {أَتَدْعُونَ بَعْلاً} أتعبدونَه وتطلبون الخيرَ منه وهو اسمُ صنمٍ كان لأهل بكَّ من الشَّأمِ وهو البلد المعروفُ اليوم ببَعْلَبَكَّ قيل كان من ذهبٍ طوله عشرون ذراعاً وله أربعةُ أوجهٍ فتُنوا به وعظَّموه حتى أخدمُوه أربعمائة سادنٍ وجعلوهم أنبياءَ فكان الشَّيطانُ يدخل جوفَه ويتكلَّم بشريعة الضَّلالةِ، والسَّدنةُ يحفظونَها ويُعلِّمونها النَّاسَ. وقيل البَعْلُ الرَّبُّ بلغة اليمنِ أي أتعبدون بعضَ البُعولِ. {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين} أي وتتركون عبادته وقد أُشير إلى المقتضى للإنكارِ المعنيِّ بالهمزة ثم صرَّح به بقوله تعالى:

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10